الجزء الخامس: ما هو الغراء الذي يمنع شهرزاد وآدم عن الانفصال؟
كي نفهم طبيعة ذلك الغراء،
سأقوم بطرح المقدمة التالية، ومن ثم سأعود إلى آدم وشهرزاد. وهنا، سأتكلم في
العموميات وليس فقط عن شهرزاد وآدم.
لا يشعر بعض الأشخاص
بوجودهم وكيانهم أو بأي أثر ضئيل لهما ما لم يخوضوا علاقة مدمرة وساحقة وينصهروا
فيها. فهم لا يشعرون بوجودهم وكيانهم إلا عندما يتسببوا لأنفسهم بالألم النفسي
والجسدي.
فمن حيث التسبب بالألم الجسدي،
قد يقومون بالتصرفات التالية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يجرحون جلدهم بسكين أو
شفرة حلاقة أو يحرقونه بأعقاب السجائر. وقد
يلجئون إلى تناول المخدرات أو الكحول مسببين الأذى لأجسادهم.
أما من حيث التسبب بالألم
النفسي، فقد يرضون بالخضوع لسوء المعاملة ويرضخون لها. فيتقبلون الإساءة وما قد يرافقها
من إهانات وتحقير.
يعبّر هؤلاء عن ذلك حين يصرّحون،
"... على الأقل، يجعلني الألم أحس بوجودي. أي شيء هو أفضل من الفراغ والملل
القاتلين."
يجدون في الألم مخرجا!
لماذا؟
قد، يثير الألم مزيجا من
القضايا التي لم تحل خلال الطفولة أو قد يتخذ معنى ومغزى شهوانيا وجنسيا. قد يكون هؤلاء
الأشخاص قد خاضوا خلال الطفولة أو سنوات المراهقة، خبرات مؤلمة أدّت إلى "برمجتهم"
ليتصرفوا على هذا الشكل؛ أي أدّت تلك الخبرات إلى توليد دافعية لا شعورية تعمل بصورة
خارجة عن نطاق الوعي، دافعة إياهم للارتباط والسعي وراء الألم والإساءة. وبذلك، يكرروا
خبرتهم الأليمة مع الشخص الذي أساء إليهم أو خانهم أو خدعهم في زمن سابق بعد أن
ينقلوا لا شعوريا وبصورة خارجة عن نطاق الوعي، أحاسيسهم تجاه الشخص الذي لم تسوى
الحسابات معه أيم الطفولة والمراهقة، إلى الشخص الذي قد يكون شريك حياتهم.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى،
يسبب الألم نوعا من الارتباك. كيف؟ فحين يكون المحب قاسيا وساديا في أحيان، ثم
محبا ولطيفا وودودا في أحيان أخرى، يتسبب للآخر بنوع من تضارب المشاعر وتجاذب
الأحاسيس المتضادة. وهنا، يتقبل الآخر بدوره الألم مفضلا إياه على مواجهة الفراغ
والملل القاتلين وفي نفس الوقت يؤدي دراما تصفية الحسابات.
ينشأ من خلال هذا التكرار لدى
كلا الطرفين وهم أو ظن مضمونه، "إذا قمت بتكرار الجروح القديمة وعشت الإساءات
المرتبطة بها مرارا وتكرارا، واتخذت موقف الضحية، سأصبح محبوبا. ومن المفارقات، إن
ما يحصل دائما هو العكس؛ كل منهما يصبح هدفا سهلا ومثاليا لعدائية الآخر وإسقاطاته
السلبية وتهجماته.
No comments:
Post a Comment